إشراق
جرعة أمل و ومضة للنهوض بالهمة و المضي قدما بجناحي التوكل و الإقدام نحو المعالي
يرى الناس الإشراق بدايةً جميلةً أخّاذة، و رمزا لكل أمل، لكنهم قد لا ينتبهون أن هذا الإشراق لابد أن يسبقه ظلام و عتمة و دلجة، فإشراقة الشمس يسبقها ظلام الليل، و إشراق القلوب تسبقه وحشة و حزن، و إشراق الروح يسبقه تيه و خذلان.
فكلما كان الظلام حالكا و الحزن شديدا و الانكسار مؤلما كلما كان الإشراق بعده أبلج أوضح و أروع.
أشرق بروحك و امض في سمائك فما بكت عليك مثل عينك و لا مسحت دمعك مثل يدك و لا نهضت بك مثل همًتك و لا حلّق بك مثل جناحيك.
قد تكون الشمسَ التي تشرق في قلوب أحبابك حين تتكلم أو حين تتبسم، فلا تكن سببا لذبولهم و أفولهم بحزنك و ألمك.
كم أحب بيت المتنبي حين قال:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
إن أشرقت نفوسنا فنحو #معالي الأمور و أكملها و أرقاها و إلا فالسكون و الأفول أولى بأصحاب النفوس السقيمة و المعتلة.
الحياة بما تحمله من أوجاع وما تلقيه علينا من مشاكل وما تغرقنا فيه من هموم، تجعل البعض متشائمًا، للأسف.. فهي لا تسير على حال واحد، سواء كانت الضغوط من أزمات مالية أو مشاكل في العمل أو مشاكل عائلية مع الأهل وخلافه، ولكن من رحم الأحزان يولد الأمل والتفاؤل!
جرعة أمل و ومضة للنهوض بالهمة و المضي قدما لتنجح
فالأمل مبدأ يستهدي به من عرف سر الحياة والوجود، وهو النافذة الصغيرة التي مهما صغر حجمها فإنها تفتح آفاقًا واسعة في الحياة، وهو سر الحياة، من عرفه سعد ولو فقد كل شيء، ومن فقده هلك ولو امتلك كل شيء، قال الشاعر:
أعلل النفس بالآمال أرقبها *** ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
ومهما صعبت ظروف الحياة وتزايدت الضغوط من حولنا يُطل مصباح الأمل من داخل النفس المؤمنة يبعث بداخلها روح التفاؤل، ويزرع حولها آفاق الطمأنينة بغد أفضل، يحفزها على الصمود والعمل، ويبعدها عن الكسل والإحباط، ويظل الأمل بالله عنوان النفوس المؤمنة السوية، إيمانًا منهم بقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
توضح في البداية د.رباب جلال البصراتي، مدرسة علم الاجتماع الإعلامي بكليه التربية جامعه عين شمس، أنه في الآونة الأخيرة برزت مشكلات جديدة كشفت عن أساليب عديدة للتفكير السلبي لدى البعض، منها عدم وجود أهداف محددة، لا يعرف بعضهم ماذا يريد؟ ومن أين يبدأ؟
• من المهم الابتعاد عن السلبيين..
وتحديد الأهداف والعمل على تحقيقها قدر الإمكان
وتضيف: هؤلاء دائمو الشكوى من أن الحياة صعبة، يشكون ولا يفعلون شيئًا لزيادة خبراتهم وتنمية طاقاتهم، ولا يبادرون بالسعي للحصول على ما يريدون، كل ما يفعلونه أنهم يلومون الحياة والقدر، فغياب الهدف لدى هؤلاء يجعلهم يميلون إلى الكسل وعدم التحرك نحو أي اتجاه.
وتشير إلى أن البعض الآخر يملك هدفًا، ولديه حلم يسعى لتحقيقه، ولكنه لا يمتلك الصبر والمثابرة للوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه والحلم الذي ينشد، ويشعر بالإحباط عند فشل أول محاولة، وقد يتوقف عن المحاولة غير مدرك أن الفشل هو أول خطوة على طريق النجاح، ولطالما مر العديد من العلماء الذين تركوا بصمات خالدة في التاريخ بتجارب فاشلة بنوا عليها نجاحات باهرة في وقت لاحق.
وتتابع: والبعض يتعجل النتائج، وبخاصة النتائج المادية، دون الانتباه إلى المزايا والخبرات التي يتم اكتسابها أثناء السعي لتحقيق الأهداف، ويسيطر عليهم الشعور بالفشل عند عدم الوصول إلى النتائج المتوقعة..
التخطيط الجيد:
وتؤكد د. رباب البصراتي أن تحديد الأهداف والتخطيط الجيد من أهم مفاتيح النجاح في الحياة، وأن الإنسان الناجح هو الذي يسير ويتحرك وفق أهداف مرسومة مسبقًا ويعمل على تحقيقها؛ أما الإنسان الذي ليس له أهداف فإنه سيبقى في مكانه.
وتوضح أن التفكير السلبي يجعل الإنسان لا يرى الطريق المضيئة، بل يجعله يسلك الطرق المظلمة التي لا يجد فيها مخرجًا، ويصطدم بكل ما يؤلمه ويجعله يشعر بالضياع والفشل والألم والغض، والشخص السلبي ينجذب إلى ما هو من نفس نوع أفكاره.
الإنسان عليه أن يحول الألمَ إلى أمل..
والمحنة إلى منحة.. وأن يزيد ثقته بالله
وأما عن صفات الشخصية السلبية فتوضح بأن صاحبها في الغالب يقاوم التغيير، ويميل إلى الروتين بدرجة كبيرة، ويكون دائم الشكوى، ولديه شعور راسخ بالإحباط والتشاؤم، إضافة إلى أن توقعاته في المستقبل سلبية؛ ليعزز فكر التشاؤم لديه، وتكون النتيجة انخفاض الإنجازات المهنية أو الشخصية، وارتفاع معدل الإصابة بالأمراض النفسية والعضوية.
وتبيِّن أن هناك عدة مسببات للتفكير السلبى؛ منها الابتعاد عن الله تعالى، والاهتمام بالماديات على حساب الروحانيات، فالإيمان بالله كالوقود الذي يحرك الإنسان إلى السعي والإعمار ومساعدة الآخرين، فتمتلئ حياته بالبهجة والرضا، والشخص الذي يبتعد عن الله تكون الدنيا أكبر همه، وتمتلئ حياته بالسلبيات، وبالتوتر الدائم، والقلق بشأن المستقبل.
و تؤكد مدرِّسة علم الاجتماع الإعلامي أن المؤثرات الداخلية هي من أكبر التحديات التي يواجهها الإنسان، وأن من أخطر هذه المؤثرات التقبل الذاتي وانعدام أو ضعف الثقة في النفس.. موضحةً أن ذلك قد يعود لأسباب في التنشئة بسبب معاملة الوالدين، واتباع طرق عنيفة لا تتفق مع أساليب التربية السليمة في معالجة مشكلات مرحلة الطفولة والمراهقة، أو لأسباب نفسية مرضية، بجانب زيادة أوقات الفراغ دون الانشغال بهدف أو عمل يؤدي بالفرد إلى الاتجاه نحو التفكير السلبي، ويتعمق في نفسه الشعور بالبؤس والضياع، وأن الآخرين سعداء.
مقترحات:
وتقدم د. رباب البصراتي مجموعة من الاقتراحات يمكن من خلالها بث شعور الأمل، والإقبال على الحياة، والبعد عن التفكير السلبي والنظرة التشاؤمية:
توعيه الوالدين بضرورة الابتعاد عن أساليب العنف والتوبيخ الدائم للأبناء.
العمل على تقوية الوازع الديني والأخلاقي لدى الشباب من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة.
محاولة تدعيم ثقه الأفراد بأنفسهم من خلال دمجهم في أعمال جماعية مفيدة، والتدريب عليها بطرق تدريجية.
الابتعاد قدر الإمكان عن أماكن الضوضاء والتوتر التي من شأنها بث مشاعر سلبية لدى الأفراد، وتجنب وسائل الإعلام التي تبث الطاقات السلبية في الأفراد والمجتمع.
التدريب المستمر على ضبط الانفعالات والتصرف في المواقف المختلفة عن طريق إدارة المشاعر السلبية؛ كالغضب والإحباط، والعمل على تغيرها إلى تفاؤل وعمل يسبقه أمل.
أن يقوم كل فرد بالتخطيط لمستقبله مع وضع العديد من البدائل.
عدم تضخيم المشكلات، والتخلي عن الاعتقاد بأنه لا حل لها، فلكل مشكلة حل.
التدريب على الأسلوب العلمي لحل المشكلات مع محاوله الاستفادة من التجارب السابقة.
ثلاث نقاط:
من ناحيته يشير د. توفيق عطية العجلة، أستاذ إدارة الأعمال، مدرب تنمية إدارية ومهارات فردية، إلى البرنامج الذى وضعه العالم النفسي "إميل كويه" للتفاؤل، والذي قوامه معرفة الأشياء التي ينبغي علينا معرفتها واتباعها، ويتكون هذا البرنامج من نقاط ثلاثة:
الأولى: ليكن اهتمامك للجسم والنفس في وقت واحد وبلا انقطاع، وذلك بتحقيق التوازن والرعاية، فكل من النفس والجسم مكمل للآخر.
الثانية: كل من يعيش في الحياة بغير هدف يرنو إليه، يكتب لنفسه الموت بيديه.. فاجعل لنفسك هدفًا، وابذل الجهد لتحقيقه.
الثالثة: عندما أدعوك للتفاؤل، فلست أعني- كما يقول إميل كويه- التفاؤل الخامل الذي ينطوي على طرح العمل والجد جانبًا، بل أقصد التفاؤل الإيجابي الذي يمكن أن يعبر عنه بثلاث كلمات: الثقة، الإرادة، التوجيه الحسن.
ويوضح د. توفيق عطية أن الأفكار الإيجابية لها أثر إيجابي على صحة الفرد النفسية والبدنية، وعلى حياته بشكل عام.. مبينًا أنه في ظل ضغوط العمل ومشاغل الحياة اليومية قد تتسلل بعض الأفكار التي تؤثر سلبًا على نمط الحياة لتجعلها محبطة ويائسة، وقد يصاب البعض بأمراض صحية، وفي مواجهة ذلك لابد من الإيجابية والتفاؤل؛ لتحسين نمط الحياة.
ويؤكد أن من أكثر الأمور التي تجلب التفكير الإيجابي المحيط حول الشخص هو أن يحرص على أن تكون بيئته إيجابية، ويتجنب الأشخاص السلبيين؛ لأن أفكارهم تنعكس عليه سلبًا بكل تأكيد.
ويلفت إلى أن الاستيقاظ مبكرًا والقيام بكل الأعمال والمهام المؤجلة يمنح الفرد الشعور بالإنجاز والدافع المحفز للتفاؤل والعمل، وهذا يتطلب منه وضع برنامج لنفسه لما ينوي عمله خلال اليوم، وفى نهاية اليوم يقوم بتقييم ما أدى من عمل، وعليه ألا ينهزم أمام الصعوبات التي يواجهها، وأن يتسلح ضدها بالتفاؤل والإصرار؛ للتغلب عليها وعلى ما وجد في نفسه من تقصير، ويعقد العزم على أن يكون يومه التالي أفضل عملًا وأسعد حالًا، ويكرر ذلك لنفسه عدة مرات؛ حتى يتغلب على كل ما يعترض طريقه، ويقف عثرة في طريق أهدافه المرجوة.
