كانت لدى أحدهم شاة لا ترضى أن تأكل غير البرسيم الأخضر، ولكن في أوقات معينة من السنة كان صاحبها لا يملك إلا العلف الجاف فاحتال عليها، و ألبسها نظارة خضراء فصارت ترى العلف الجاف أخضر اللون فتظنه برسيماً فتقبل عليه و تأكله.
نحن نرى العالم بعقولنا لا بعيوننا
ما تركز عليه تحصل على المزيد منه
المعنى: الظروف فى الواقع المادى حولنا ليست هى ما يهم، وإنما تفكيرنا فى هذا الواقع وموقفنا منه هو المهم.
لا أظن أن حقيقةً أخرى تعدل هذه الحقيقة فى أهميتها وتأثيرها على حياتنا. هى، برغم ذلك، حقيقة منسية، وقلما ننتبه لها. وإذا حدث وانتبهنا لها، فقلما نقتنع بها. لماذا؟
لأن الظروف المحيطة بنا كثيراً ما تبدو من القوة والتأثير على حياتنا بحيث يستحيل علينا أن نصدق فى داخلنا بأنها ليست مهمة. يستحيل علينا أن نقتنع بأنّ عقولنا وتفكيرنا فيما يحدث لنا ومن حولنا هى –فى واقع الأمر- الأشد تأثيراً علينا. غير أنها تظل حقيقة ثابتة من حقائق الحياة: الواقع ليس هو المهم، ولكن كيفية استقبال دماغك لهذا الواقع هو المهم. آية ذلك أن شخصين قد يتعرضان لظروف وتحديات متشابهة بل متطابقة، ويخرجان من هذه الظروف على نحو مختلف تماماً.
«نحن نعانى بسبب خيالنا، أكثر مما نعانى بسبب واقعنا».. هكذا يقول الفيلسوف «سينكا». أى أن معاناتنا وآلامنا، التى تبدو نابعة مما يحدث لنا، تكون أقسى كثيراً علينا بسبب ما يتصوره خيالنا! الألم الناتج عن خوفنا من الأشياء –وهو خيال تصنعه عقولنا- أشد وطأة علينا من الألم نفسه!
لم يتفق الفلاسفةُ قدر اتفاقهم على هذا المعنى وهذه الحقيقة بشأن الحياة. وهى حقيقة نابعة من أن عقولنا لديها هذه الخاصية العجيبة التى تمكنها من إعادة صياغة الواقع. نحن لا نرى الواقع كما هو، بل كما تستقبله عقولنا وأدمغتنا وتُعيد صياغته. تماماً كما لا تستطيع عيوننا البشرية رؤية اللون الأصفر، وإنما تصنعه أدمغتنا من خليط من الأخضر والأحمر. العين البشرية لا تستطيع التقاط الطول الموجى سوى لثلاثة ألوان فقط: الأخضر والأزرق والأحمر. بقية الألوان التى نراها ليست سوى «وهم» تصنعه أدمغتنا من خليط من هذه الألوان!
أدمغتنا قادرة على صناعة «أوهام» كثيرة عن العالم. هى أيضاً قادرة على اختراق حجب الزمان، والانطلاق إلى المستقبل. من خصائص العقل البشرى أنه يستطيع العيش فى المستقبل، وعمل تصورات وخطط لما سيقع فيما بعد اللحظة الحاضرة. لم تكن الحضارة لتحدث من دون هذه الهبة العقلية النادرة التى مكنت الإنسان من التخطيط والتفكير والتحسب لما سيكون. على أن للقدرة على العيش فى المستقبل ثمناً مرعباً ندفعه كل يوم اسمه القلق. قلقنا بشأن ما سيحدث فى المستقبل قادرٌ على إفساد حياتنا فى اللحظة الحاضرة.
الحقيقة أن المستقبل ليس موجوداً سوى فى عقولنا. هو ليس شيئاً واقعياً. إنه مجرد احتمال. مع ذلك، فإن أدمغتنا تصنع من هذا الاحتمال «أوهاماً» وسيناريوهات وتُسبغ عليه مخاوف وآلاماً.
عقولنا، إذن، هى ما تصنع واقعنا –بمعاناته وآلامه- وليس العكس!