القائمة الرئيسية

الصفحات

الإعلام الإسلامي: نطاقه ووسطيته


Islamic-media-its-scope -and -moderation
 الإعلام الإسلامي: نطاقه ووسطيته 

يطلق على الإعلام الإسلامي تلك الممارسات التي قام بها المسلمون في صدر الدعوة، أو في العصور التالية، أو في حقل المجهوات العلمية في مجال الاتصال التي يقوم بها المسلمون الملتزمون بالإسلام.

 الإعلام الإسلامي: نطاقه ووسطيته 

وثمة اتجاه يحصر الإعلام الإسلامي فيما يمكن استنباطه من القرآن والسنة متعلقاً بالعملية الاتصالية، وهذا الاتجاه خاطئ في تصوره؛ لأن القرآن والسنة هما المرجعية الأساسية لكل العلوم الإسلامية وفي رؤيتنا للحياة أو الكون. وهما لا يزوداننا إلا بالقواعد والأصول العامة لإنتاج المادة الإعلامية.. أما وسائل الإعلام والاتصال الحديثة فلم يعرف أكثرها إلا في العصر الحديث.

وفي البداية كانت الممارسات الإعلامية تتم بطريقة تلقائية، ثم تطورت فأصبح اكتسابها يتطلب تدريباً خاصاً ؛ بل تعددت التخصصات في دراساتها، والتخطيط لها وتنفيذها .

وفي نطاق الإعلام العام أو الإنساني، وفي نطاق الإعلام الإسلامي ـ أيضاً ـ تتكون الممارسات أو المواد الإعلامية من عدد من العناصر تسهم بطريقة مباشرة في صنع الممارسة أو المادة الإعلامية... وأبرز عناصرها ما يلي: 

* العناصر البشرية القادرة على إعداد المضمون الإعلامي أو تقديمه مع استثمار الوسائل الآلية في مراحل الإنتاج والإرسال، ويدخل ضمن هذه الفئة: معدو البرامج، والمخرجون، ومهندسو الصوت والصورة، والديكور، والإضاءة، ومصممو الملابس، والرسامون، والمصورون، ومقدمو البرامج، والممثلون، والمغنون، والموسيقيون...

وهؤلاء يخضعون لشروط تكوين الإعلامي المسلم القادر على استيعاب تطورات العصر، وعلى فهم الحقائق الإسلامية، وإنزالها على العصر.

* المنطلق العقدي أو الإطار الفكري: ويبرز هذا العنصر ـ وهو بالنسبة للمسلم:الإسلام "عقيدة وشريعة " ـ وأكثر ما يبرز هذا العنصر في مضمون المادة المراد إيصالها إلى الآخرين، وقد يظهر في الطرق التي يتم بموجبها استثمار العناصر البشرية وقدراتها، أو استثمار الآلات والأجهزة الصماء، أو استثمار الدراسات والأبحاث العلمية النظرية والتطبيقية .

* مضمون الرسالة الإعلامية الإسلامية: وقد يخدم المضمون الإسلام بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، أو لا يخدمه، يبد أنه يجب أن لا يخالفه .

* الآلات والأجهزة أو الوسائل المادية: 

وهذه تدخل في عملية أداء الممارسة الإعلامية أو إنتاجها، وعملية نشرها وتوزيعها أو إرسالها، أو استقبالها من قبل الجمهور، ويبدو جلياً أن هذه الآلات (عدا بعض الآلات الموسيقية) هي معدات محايدة من حيث المخالفة للشريعة الإسلامية أو عدم المخالفة.

* الدراسات والأبحاث الإعلامية: 

ويرى بعضهم أن ما تنتجه الدراسات والأبحاث من نظريات أو قواعد وأصول ـ غالباً ـ هي محايدة حياد اللغة وقواعدها ومفرداتها، فهي قابلة للتسخير في صالح الخير والشر .. لكننا نرى أنه عند الالتزام بمنهجية البحث العلمي الموضوعي الباحث عن الحق سوف تتجه النظريات والقواعد إلى الفطرة السوية التي هي ـ في نهاية الأمر ـ ليست إلا الإسلام القائم على العدل والتوحيد والقيم العليا والوسطية.

* العقيدة ووسطية الإعلام الإسلامي: 

من البديهي أن (التوحيد) المطلق الذي ينزه الله عن كل مظاهر الشرك هو أهم دائرة في نطاق الإعلام الإسلامي وهو القاعدة الأساس للعقيدة الإسلامية... إن الله خالق واحد أحد قادر معبود، والإنسان مستخلف في الأرض ومكرم، ومخلوق ـ أصلاً ـ في أحسن تقويم، وهو عابد لله وحده... والعلاقة بين الله والإنسان هي علاقة الخالق بالمخلوق، والمعبود بالعابد، وهي علاقة تتسم بالحب والرعاية من جانب الخالق الكريم... وبالطاعة والعبودية الموحدة من جانب المخلوق المستخلف المكرم: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} ... فعبادة الله هي العبادة المسيّدة للإنسان في الكون، وهي التي تسخّر له كل شيء بإذن الله .
وبينما يقرر الإسلام ـ بكل حزم ـ وحدانية الله واستحقاقه وحده للعبادة والتوجيه فإنه يوفر للإنسان - بهذه العقيدة- الطمأنينة والأمان عوضاً عن الخوف والتمزق الروحي: 
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} ، كما أن هذه العقيدة تربطه بمثل عليا وتطلعات سامقة وتعده بحياة دنيوية طيبة: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
وعقيدة التوحيد ـ فضلاً عن ذلك كله ـ تحرر الإنسان من الخضوع للآلهة الكاذبة التي تتسلط على حياته، ولذلك عندما نتساءل قائلين: "في هذا العالم المكتظ بسلطات الآلهة الكاذبة المطلقة، هل يبقى أي دور لرسالة الإسلام 

التي رفعت شعار عدم ألوهية الإنسان، وأنه لا يستحق هذه المنزلة، وأن الله واحد وله الحكم والملك كله؟ يأتينا الجواب سريعاً من علي عزت بيجوفيتش قائلاً: "إننا نرى أن هذا المبدأ الإسلامي الداعي إلى تحرير الإنسان من الآلهة الكاذبة سيظل مبدأ معاصراً لا يعفو عليه الزمن"( ).

ـ وليست العقيدة الإسلامية مجرد إيمان عقلي أو وجداني ؛ بل هي تنظيم للحياة وفق شريعة الله؛ لأن لله وحده حق التشريع حلالاً أو حراماً: { إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} ( )... فشرط العقيدة الصحيحة القائمة على التوحيد أن تنعكس هذه العقيدة على الشريعة، وعلي الولاء والطاعة لما أمر الله به، وضمن أوامر الله، والشريعة الموضحة للمسلم تفاصيل واجباته وحقوقه وعباداته مع بيانها العقلي والمنطقي، وهي التي تبرر الاجتهادات التي تجيب على كل تطور معتمدة على المصدر الواحد وهو العقيدة ونبعها الذي لا ينضب، وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة.

والعقيدة الإسلامية ـ في بنائها للحياة ـ تعتمد على شمولية البعدين الزماني والمكاني، وعلى وسطية الحل للمشكلة الإنسانية، فالمسلم مؤمن بالله الواحد ومصدق للأنبياء والرسل من آدم إلى محمد r مروراً بنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وكافة الأنبياء والرسل.وهذه هي شمولية البعد الزماني ( )،وفي البعد المكاني نجد الأرض كلها بمعنى السكان هي مجال العقيدة الإسلامية، فليست لسكان مكان دون مكان ولا لجنس دون جنس ولا لون دون لون، وليست لذكر دون أنثى أو العكس، وإنما مجالها الكرة الأرضية جميعها.

وفي الحل الإسلامي للمشكلة الإنسانية ـ بكل تعقيداتها وتناقضاتها ـ نجد أن (الوسطية هي العماد الذي ارتكز عليه هذا الحل) ( ).
لقد ارتكزت العقيدة الإسلامية على (وسطية الحل) بابتغاء الآخرة وعدم نسيان النصيب العادل من الدنيا ومتاعها...

هذه الثلاثية: وهي شمولية البعد الزماني أي التاريخي لعبادة الله وحده، أولاً، وشمولية البعد المكاني؛ حيث إن الأرض كلها مسجد ثانياً، والوسطية بين إشباع مطالب الجسد وإشباع مطالب الروح ـ ثالثاً ـ هذه الثلاثية هي وصف حقيقي عميق للعقيدة الإسلامية ( ).

والعبادات في الإسلام ـ وهي متكاملة مع العقيدة والشريعة ـ ليست مجرد طقوس ـ تعبر عن الطاقة وإنما هي في جوهرها الوسيلة الرئيسية لليقظة العقلية والنفسية، والوسيلة الرئيسية للمحافظة على جوهر العقيدة متوهجاً في عقل الإنسان وقلبه بلا إفراط ولا تفريط.
ـ والدعوة الإسلامية هي النتيجة الضرورية للإيمان بالعقيدة والشريعة ـ وهي تكاد توازي مفهوم الإعلام، لأن الدعوة بالإسلام والتعريف به فرض كفاية في الفقه الإسلامي الذي إذا لم يقم به نفر من المسلمين أثموا جميعاً. والدعوة جزء من الإعلام الإسلامي.. أو هي الجزء الأيدلولوجي (العقائدي) فيه، علماً بأن الدعوة لا تشمل وسائل الإعلام فحسب ؛ بل تشمل القدوة الحسنة والإجراءات الاقتصادية المشابهة لدعم المؤلفة قلوبهم وما شابه ذلك( ).
إن هذا التأثير الشمولي لعقيدة التوحيد يفرض ـ بإيجاز ـ منهجية خاصة للفكر والحياة، أشار إليها الأمير تشارلز عندما ذكر أن التوحيد يؤديّ إلى تعلمنا كيف نفهم وكيف نعيش في عالمنا المسيحي الذي يفتقر إلى المسيحية التي فقدناها، فالإسلام في جوهره يحتفظ بنظرة مدمجة، ويرفض أن يفصل بين الإنسان والطبيعة أو بين الدين والعلم أو بين العقل والمادة، كما حافظ على وجهة نظر ميتافيزيقية موحدة للإنسان وللعالم الذي يحيط بنا" ( ).
مراجع واقتباسات المعزّزة لثقافة الوسطية
( )  د/ محمد سيد محمد: المسئولية الإعلامية في الإسلام ،ص36، دار الفكر العربي ط3 ، مصر.
( )  عبد الطيف حمزة: الإعلام والدعاية ص67 نشر القاهرة 1978م ط 2.
( )  عبد الطيف حمزة: المرجع السابق ص75.
( )  د/محمد سيد محمد:  المسئولية الإعلامية في الإسلام ،ص38،وما بعدها(بتصرف).

شاهد ايضا



تعليقات

ليصلك كل جديد تابعنا بالضغط على الصورة

اضغط لمشاهدة الفيديو