![]() |
تفسير قول الله ” وما جعل عليكم في الدين من حرج “ |
يسلط الله تعالى في كتابه الكريم الضوء على أحد أهم مبادئ التشريع الإسلامي في قوله: **"وما جعل عليكم في الدين من حرج"**، وهو تأكيد على التيسير والرحمة في الشريعة الإسلامية. آية تمثل شهادة على إنسانية الإسلام، الذي جاء ليسهل على البشرية سبل العبادة دون التضييق عليهم أو حملهم ما لا طاقة لهم به.
**معنى الآية كما ورد عن المفسرين**
في تفسير هذه الآية، نجد الإشارة إلى فكرة أساسية: أن الله لم يكلف عباده بالالتزامات الدينية التي تسبب العسر والمشقة، بل جعل الشريعة مرنة تسد حاجات الناس وتضع مصلحة الإنسان في مقدمة الاعتبارات. فقد ذكر الإمام القرطبي أن الحرج يعني في اللغة الضيق، واستشهد بسؤال عبدالملك بن مروان لعلي بن عبدالله بن عباس، حيث أكد أن الله سبحانه وتعالى يفتح للإنسان أبواب التيسير والخروج من الضيق، من خلال الرخص والكفارات.
وبالمثل، يرى فقهاء آخرون أن الحرج هنا يعني رفع الضيق الناتج عن التداخل أو الالتباس أوقات الفروض. فعلى سبيل المثال، جُعلت القواعد واضحة وميسرة حتى يتجنب المسلم المشقة عند التزامه بها. كذلك أوضح بعض العلماء المعنى من خلال القصص والحالات الحياتية التي بيّنت كيف ترفع الشريعة الحرج، كالرخصة للمريض أو المسافر.
**رؤية ابن كثير للتفسير**
تتفق رؤية الإمام ابن كثير مع باقي المفسرين في التأكيد على أن الدين ميسر، وأن الله لم يفرض شيئًا يُثقل على العباد فوق طاقاتهم. وضرب أمثلة من أركان الدين، فساق نموذج الصلاة؛ فالصلاة الرباعية في السفر تُقصر لركعتين، وفي ظروف المرض الشديدة يمكن أداؤها جالسًا أو بأقل المجهود البدني. هذه الأمثلة توضح كيف تهتم الشريعة الإسلامية بتوفير سبل الراحة والتخفيف بما يحافظ على ارتباط العبد بربه دون مشقة تهدد حياته أو صحته.
**أوجه التفسيرات المختلفة للآية**
هناك تنوع في تفسير معنى رفع الحرج الوارد في هذه الآية، ويُمكن تلخيص هذه التفسيرات في ثلاث وجهات:
1- **الحرج بمعنى الضيق العام**
بعض المفسرين كالقتادة رأوا أن الحرج يعني الضيق بشكل عام، مشيرين إلى أن الإسلام أتى برفع الحرج عن الأمة بشكل شامل وهو مما ميز هذه الأمة عن غيرها. وهذه الرؤية تبرز الجوانب التي تجمع بين الرحمة الإلهية والعدالة التشريعية.
2- **الحرج المتعلق بالرخص والتخفيفات**
هناك من ذهب لتفصيل أنواع التسهيلات والتخفيفات التي تشير إلى رفع الحرج، مثل قصر الصلاة أثناء السفر، الإفطار للمسافر، سقوط الجهاد عن العاجزين كالأعمى أو المريض، والتيسيرات الأخرى المتعلقة بالعبادات والمعاملات. هذه التفسيرات تبين كيف ربط الإسلام بين قدرة الإنسان وواجباته الشرعية.
3- **رفع الحرج مرتبط بالاستقامة**
التفسير الثالث يتحدث عن أن رفع الحرج في الإسلام متعلق بمن يلتزم بمنهاج الشريعة ويبتعد عن المحرمات والمعاصي. بينما من يتجاوز الحدود والقيود الشرعية بإرادته يضع نفسه في دائرة الحرج الذي هو من صنع يديه.
**خلاصة القول**
إن فهم الآية الكريمة يعكس عظمة الشريعة الإسلامية التي ترتكز على التيسير ورفع المشقة. إنها رسالة لكل مسلم بأن الدين ليس عائقًا أو عبئًا، بل منظومة رحيمة تلبي احتياجات الحياة الروحية والدنيوية بالعدل والرفق. فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والتمسك بالله ليست مجرد شعائر مفروضة بجمود، بل رحمة واسعة تهدف إلى بناء مجتمع متماسك يستطيع عبور تحديات الحياة بأمان نفسي وروحي تحت مظلة هذا الدين العظيم.
تعليقات
إرسال تعليق