"هل ننام لنرتاح؟ أم لنقابل أحلامنا العصية عن التحقيق في حلمٍ يوقظنا مع مزيدٍ من التفكير والأسئلة والإرشاد الخفيّ؟"
"هل ننام لنرتاح؟
جاءني في الحلم رجلٌ تقيٌّ يقول لي بما يعني:
"طبّ الأسنان ليس كل شيء.. ترتيبك لمكتبكِ وأدواتكِ المدرسيّة الآن أهم من طب الأسنان ومن التفكير فيه...."
كان يمشي ولَمِحَني، فوقف وبدأ يرشدني وينصحني..
يسكتُ برهةً ثم يكمل ويستمرّ في نصحي وإرشادي.. وأنا غارقةٌ في صمتي أنصتُ بكلّ تأثّر وتوتر أيضا!
وكأنه رسالةٌ من الله لي! بعد أن أغلقت كليّة الأسنان أبوابها في وجوه الطلبة الجدد لمدة ثلاث سنينٍ من الآن..
طبّ الأسنان حلمي منذ الطفولة..
كان الخبر أشبه بالمزحة الثقيلة.. التي لسوء الحظ لم تكن مزحة!
يومها شاركتُ الخبر مع الأصدقاء وقلت لهم مازحة: "أريد أن أغنّي حلمي تحطم واختفى"
كنتُ أمزح عوضا عن البكاء..
ساندني أهلي وأصدقائي..
أمام الأصدقاء تظاهرت وحاولت أن أبقى قوية!
أمام عائلتي كنت تلك الفتاة التي غابت عن المدرسة والتي بقيت مكتئبة وهم يحاولون جاهدين التخفيف عنها وتشجيعيها.
ومنذ ذلك اليوم الذي حمل هذا الخبر البائس وأنا أضطرب وأتخبط وأفكر في مصيري أكثر من قبل (فأنا شخصٌ لا يكفّ عقله عن الثرثرة والتفكير)..
ماذا سأدرس في فترة الجامعة؟! لا شيء أحبه منذ الطفولة كحبي لطب الأسنان وشغفي به!
قبل أيام قليلة.. كنتُ قد رسمت على مكتبي الدراسي خريطة ذهنية كبيرة.. رسمت في وسطها الرقم 18
كدلالة على عمري، ثم أخذتُ ثلاثة أفرع من اليسار وثلاثة من اليمين، كلّ منها يحمل فروعا أخرى تحملُ جانبا مهما في حياتي؛ يجب أن يكون هو محلّ اهتمامي في هذه المرحلة العمرية..
رتّبتُ كلّ فوضاي في هذه الخريطة البسيطة!
عندها علمت أنّ عبارة "ترتيبي لمكتبي الآن أهم من طب الأسنان"
كانت تعني ترتيبي "لحياتي" لا مكتبي..
لأنني وضعت على مكتبي حياتي بأكملها..
التي أخطو خطواتها بصعوبةٍ شديدة: "أتعثّر وأنهض وأتعثر وأنهض..
وأستمرُّ.."
تقول أمّي: جاءك في الحلم اسمه عبد السّلام فخذي المعنى اسما لا شخصا
فأنتِ ينقصكِ السّلام..
وقد صدقت!
منذ بداية هذا العام الدّراسي، أعيشُ فوضىً داخلية عارمة أحاول ترتيبها من الخارج!
صباحا في المدرسة أقف متضجرة عابسة (والشكر كلّ الشكر للكمّامات الّتي اختصرت وسهّلت عليّ الكثير)
وأتساءل.. هل حريقُ الأمس الذي شبّ داخلي يظهر واضحا عليّ؟ أو هل تصل خيوط دخّانه لمن هم حولي؟
الحريقُ مستمرّ.. مستمرّ..
النيران لم تتوقّف بعد..
تارةً يخمدها دعاء الآخرين لي: "هداكِ الله"
أو كما تقول معلمتي في مركز التحفيظ وكما أحبّ: "يهديك ربّي"..
فيارب.. أخمد النيران..
واهدني يا الله.. اهدني!
مجلة الأستاذة
