حقّقت نظريات العالِم الفرنسي غوستاف لوبون المتعلّقة بسلوك الجماهير وسيكولوجية العقل الجمعي، نجاحاً باهراً في مجال علم النفس الاجتماعي، ولا تزال حتى يومنا هذا مرجعاً أساسياً ومهماً لعلماء النفس والاجتماع وصُناع القرار وكل من يبحث في سبل التأثير على الجماعة وتوجيه وعيها، أو مخاطبتها بموهبة تتخطّى أحياناً منطق العقل الفردي.
صفات وسيكولوجية الجماهير والراى العام والرسالة الاعلامية
أثبت علم نفس الجماهير أن سيكولوجيا الفرد تتعارض مع سيكولوجيا الحشد، وأن للجماعة شخصية كليَّة واحدة تختلف عن الشخصية الفردية. كما أثبت أن الفرد ما إن ينخرط في جمهور مُحدَّد حتى يكتسب سلوكيات خاصة به لم تكن لتوجد فيه لو بقي وحده. فهو يصبح أجرأ وأقوى، وأقدر على التعبير عما يجول في رأسه. لقد ذهب هذا العلم عميقاً في تحليل الآليات التي تحرِّك الجماهير وتحدِّد خياراتها، وأثبت كيف أن القرارات التي تتخذها مجموعة من الأفراد الأذكياء لا تختلف كثيراً عن القرارات التي تتخذها مجموعة أخرى أقل ذكاءً أو تتميّز بالبلاهة. ففي حالة الحشد لا مكان للتفكير المستقل ولا للتفسير الشخصي. إنها الروح الواحدة الغالبة والمسيطرة، إنها “روح الجماهير”. هكذا عندما تتجاوز الجماهير وعيها الفردي تتحوَّل إلى تركيب كلّي ومختلف، لا يؤمن بالمحاكمات العقلية، بل بما هو كلي ومؤطر. لذا ينجح في تحريكها الخطاب المهلوس، والأهداف المطلقة، والأفكار المخدرة التي تبتعد عن الواقع. وبرأي علماء النفس وتحليل الخطاب، فإن كل ما هو فردي أو معقلن ينزوي في هياج القطيع، أو يتحوَّل بلحظة إلى ضحية لهياج الجميع دفعة واحدة. إن فهم هذا الأمر أشبه لدى الإنسان الأول بفهم الرعد، والمطر، والفيضانات. إنه تفسير لآليات ظاهرة قد تكون مميتة، أو نافعة، والتحكّم فيها.
وعلى الرغم من انحسار عصر الجماهير في وقتنا الحالي كقوّة مبهمة قابلة للتدفق وغير منضبطة، إلا أن الجماهير لا تزال قوّة هائلة قادرة على التأثير حتى ولو لم تكن تتمتّع بتجمّع مكاني واحد. لكن الثورة الاتصالية الهائلة غيّرت نوعياً شروط الحشد وتعريفه، وأوجدت مكاناً أقوى وأكثر تأثيراً اجتمعت تحت سقفه الحشود والجماعات المتفرقة في إطار عالم مركزي هو التكنولوجيا. وبغض النظر عن دور التكنولوجيا في حشد الجماعات وتمركزها، فإن الآراء الموحدة هي جماهير قابلة للتحقق، والنقمة من حدث أو ظاهرة، هي جماهير متّفقة على المكان، حتى إذا لم يكن جغرافياً، في أيّ لحظة.
لطالما شكّلت مسألة الهويّات الفردية في المجتمع الواحد والعلاقة في ما بينها مادّة للتحليل والاختبار، وخصوصاً عندما تدخل في نطاق الحشد الذي يدفع بالأفراد أو الأتباع إلى القيام بالأفعال نفسها في لحظة واحدة، والولاء المطلق الذي يُنتج نوعاً من الروابط الخاصّة بين هذه الجماعات.
لقد وقف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير” الذي صُنّف من بين أهم الكُتب التي صدرت في القرن العشرين وأسست لحقائق تتعلّق بعلم نفس الجماعة، على حقائق غير قابلة للنقض طوال أكثر من قرن، وهذا يفسر صمود بحثه في هذا العلم التأسيسي كمرجع ثابت طوال زمن من الكشوف العلمية المتسارعة التي هدمت كثيراً مما سبقها. وقد اعتمد معظم الباحثين على كتاب لوبون ونظرياته من أجل دراسة هذه الظاهرة، وقيل إن أحد اتجاهات القرن العشرين، أنه قرن متأثّر بعلم الأحياء الدارويني، وعلم جمال فاغنر، وعنصرية غوبينو، وعلم نفس لوبون، ولعنات بودلير، ووتوقعات نيتشه ودوستويفسكي السوداء، وفلسفة بيرغسون، وعلم نفس تحليل فرويد.
صفات وسيكولوجية الجماهير والراى العام والرسالة الاعلامية
1- ان عقلية الجماهير متقلبة فى مفاهيمها وحركاتها تندفع بسهولة نحو التقبل وتنساق فى يسر ايضا نحو التصدى ولهذا يسهل اثارتها والتأثير فيها ويمكن استغلال هذه الصفة واثارة عواطف الافراد بواسطة برامج تتفق وميولهم والاستفادة من تقبلهم لهذه المواقف .
2- سهولة الايحاء الى الجماهير التى تأخذ عادة بالظاهر لا الباطن فهى لاتنتقد ولاتحلل لانها تفكر بسرعة وتطفو الصور فى عقليتها فتستبعد عن التجريد والتعميم وفهم المواقف على حقائقها وهذه الظاهرة ملموسة فى تقبل الاشاعات الكاذبة والمغرضة .
3- تميل الجماهير الى المبالغة وذلك لبساطة مشاعرها كما تميل الى الغلو وعدم التقيد ولهذا تضعف روح التشكك والريبة وروح التردد او التعمق فى النظر الى التفاصيل والبحث وعدم الشعور بالمسئولية وتقدير العواقب من صفات الجماهير ايضضا مما يجعلها تنحدر احيانا الى فعل السوء والميل الى الفوضى وليس معنى ذلك ان هذه الصفات من الصفات المستمرة للجماهير فكثيرا مايتصرف الجماهير تصرفات متزنة ومثالية وذلك اذا ما احسن قيادتها وتوجيهها وارشادها فاعمال البطولات والتفاتنى فى الاخلاص والوفاء من اهم الصفات فى الجماهير ايضا ولذلك يستفاد فى برامج الاعلام لكسب عواطف الجماهير وتنظيم قيادتهم وتوجيهها توجيها سليما
4- عدم تسامح الجماهير فى عادتها وتقاليدها ولذلك يجب ان تكون برامج الاعلام متمشية مع تلك العادات والتقاليد لان الجماهير ليس لديها الاستعداد للتنازل عنها والبرامج التى تقف ضد العادات والتقاليد تكون غالبا مصيرها الفشل
5- تندفع الجماهير نحو ماتعتقد انه فى صالحهها متأثرة بمشاعرها بدون التفكير فى حقيقة الامور وتفشل برامج الاعلام اذا تعارضت مع ماتعتقد الجماهير انه من حقها او فيه صالحها
6- لاتقف الجماهير امام التغير الهادف الى التقدم اذا اقتنعت بذلك ووجدت القيادات المناسبة للتأثير عليها واجيد وضع برامج الاعلام الى التغير المطلوب
تعليقات
إرسال تعليق