![]() |
| العائلة الكبيرة نعمة أم نقمة |
العائلة الكبيرة: نعمة أم نقمة؟
في ظل الظروف الراهنة، أصبح مفهوم "العائلة" يغيب شيئًا فشيئًا عن حياتنا اليومية، وقلة منا من يدرك قيمتها الحقيقية أو يمنحها مساحة تستحقها في حياته. ومع ذلك، يبقى واضحًا أنها أساس الشخصيات التي نبنيها لنواجه بها مجتمعنا وتحدياته.
العائلة الكبيرة: نعمة أم نقمة؟
قد يبدو سؤال "العائلة الكبيرة: نعمة أم نقمة؟" بسيطًا لكنه يحمل إرثًا من التناقضات والمشاعر المختلفة. شخصيًا، أجد نفسي خجلًا من الاعتراف بأنني كنت أكره الحياة في أسرة كبيرة في فترة ما من طفولتي. شعرت بأن تلك البيئة المزدحمة حولي تحدّ من حريتي وخصوصيتي حتى في الأمور الصغيرة والبسيطة. كنت أتمنى لو كانت أسرتي أصغر أو لو كنت الابنة الوحيدة لوالديّ. ولم يكن هذا الشعور مفهوماً أو مقبولاً لدى الجميع، لكن ربما من عاش تجربة مشابهة سيفهم ذلك تمامًا.
أن تكون محاطًا بأفراد العائلة طوال الوقت، دون أي متنفس خاص، قد يجعلك تشعر بأن أكثر ما تطمح إليه هو القليل من الخصوصية. كنت أبحث عن لحظة هدوء بسيطة، عن إجراء مكالمة هاتفية دون تدخل أو مشاهدة برنامجي المفضل دون منافسات على جهاز التلفاز بيني وبين أخواتي الأصغر... حتى السكاكر والحلوى التي كان يحضرها والدي لم تكن مصدر فرح بالنسبة لي؛ إذ كنت أعرف أنني سأضطر لتقاسمها مع الجميع، رغم حبي لفكرة المشاركة بشكل عام، إلا أنني كنت أتوق للحصول على أشيائي الخاصة دون تنازع. ألعابنا الجماعية لم تكن تخلو من الخلافات التي تنتهي بعقاب جماعي لجميعنا. تلك اللحظات الطفولية كانت تُشعرني وكأن الحياة داخل عائلة كبيرة تمثل تحديًا مستمراً.
لكن اليوم، بعدما كبرت ونضجت، صرت أضحك كلّما تذكرت "أنانيتي الطفولية" وأمنيتي البريئة بأن أعيش منفردة بعيداً عن تلك الأجواء الدافئة والصاخبة. لم يكن سهلاً أن أفهم قيمة عائلتي الكبيرة عندما كنت طفلة، ولكني الآن أدرك تمامًا مدى تأثيرها العميق في تكويني وتطوري كشخص بالغ.
أول مرة شعرت بأثر وجود عائلتي كان حين تركت المنزل لبداية مرحلة الجامعة. وجدت نفسي في مواجهة عالم جديد مليء بالأشخاص الغرباء والقرارات المستقلة. كان عليّ أن أتحمّل مسؤولية حياتي المادية والعملية وأتكيف مع تحديات الحياة دون الرجوع للعائلة في كل مرة. وحينها أدركت أن كل ما تعلمته منذ طفولتي في بيتي وبين أفراد عائلتي الكبيرة كان بمثابة تدريب عملي للحياة خارج هذا الإطار العائلي.
وجود عائلة كبيرة يعني أنك تعيش في مجتمع صغير متنوع داخل منزلك؛ تتعلم من تجارب أفرادها ومن اختلاف آرائهم وشخصياتهم. كل هذا منحني قدرة أكبر على فهم الآخرين، تقبّل اختلافاتهم والتأقلم مع تقلباتهم، وحتى تفسير تصرفاتهم دون أن تزعجني. تعلمت أن أغفر الأخطاء وأتحلى بالصبر، أن أحترم الكبار وأرأف بالصغار، أن أتخذ قراراتي بحكمة ورصانة.
العائلة الكبيرة ليست مجرد أشخاص تجمعهم علاقة واحدة؛ إنها جذور ثابتة تسندك عندما تهتز أرضك وتحميك عندما تضربك عواصف الحياة. صحيح أن الأصدقاء يمكنهم أن يساندوك ويشعروا بفرحك وحزنك، لكن عائلتك تبذل كل ما في وسعها لتبقيك سعيدًا وناجحًا، حتى إن لم تدرك ذلك.
واليوم، أعترف أنني لو امتلكت كل الألعاب في العالم لن يكون اللعب ممتعًا دون أخواتي، ولو تناولت كل الحلوى بمفردي لن تكون لذيذة كتلك التي تقاسمناها معًا. وإذا كانت لي غرفة خاصة كما حلمت طفلة فلن تكون أدفأ من الغرفة التي جمعتنا جميعًا؛ غرفة شهدت خلافاتنا وضحكاتنا وأحزاننا وأسرارنا وحكاياتنا قبل النوم.
برجاء الإنتظار قليلا والإستمتاع بمشاهدة الفيديو
مجلة الأستاذة
للمشاهدة باليوتيوب اضغط على الزر اسفل.
إذا لم يتم تنزيله تلقائيًا ، فيرجى النقر على إعادة التنزيل. وإذا كان الرابط معطلاً ، فيرجى الإبلاغ عبر صفحة نموذج الاتصال في هذه المدونة.

تعليقات
إرسال تعليق