{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 87-88]
سبب نزول الآية "لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم":
السبب في نزول الآية:
يروي ابن أبي حاتم عن أبي رافع، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفًا، ولم يكن عنده ما يطعمه، فأرسل إلى رجل من اليهود: 'يقول لك محمد رسول الله: أسلفني دقيقًا إلى هلال رجب.' فرد اليهودي: 'لا، إلا برهنٍ.' فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: 'أما والله إني لأمين من في السماء وأمين من في الأرض، ولئن أسلفني أو باعني لأودين إليه.' فلما خرجت من عنده، نزلت هذه الآية: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} إلى آخر الآية، وكأنه عزاء له عن الدنيا".
تفسير الآيات:
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}: يعني أن الله عز وجل يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم: "قد أعطيناك القرآن العظيم، فلا تلتفت إلى زخارف الدنيا، ولا إلى ما أنعمنا به على أهلها من الزينة الفانية، ولا تحسدهم عليها. لا تغتم بسبب كفرهم وتكذيبهم لك، {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}" [الشعراء: 215] أي: ألن جانبك لمن تبعك من المؤمنين، كما في قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ}: أي، اكتفِ بما أعطاك الله من القرآن العظيم، واترك ما بأيدي أهل الدنيا من المتع الزائلة. ومن هذا المنطلق فسّر ابن عيينة الحديث: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" بأنه يعني الاستغناء به عن كل ما سواه، وهذا تفسير صحيح، ولكنه ليس المقصد الرئيس من الحديث، كما أشرنا في بداية التفسير. وذكر ابن عباس: "لا تمدن عينيك" تعني: نهي المرء عن تمني ما يملكه غيره. وقال مجاهد: {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ}: هم الأغنياء.
ما هي السبع المثاني؟
اختلف العلماء في المقصود بالسبع المثاني، كما ذكر ابن كثير. فقال ابن مسعود وابن عباس: هي السبع الطوال (البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، ويونس)، وهذا قول ابن عمر ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم. وقال سعيد: "بُيّنت فيهن الفرائض والحدود والقصاص والأحكام." وقال ابن عباس: "بينت فيهن الأمثال والخبر والعبر." ولم يعط هذه السور لأحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطي موسى منها اثنتين. والقول الثاني: أنها سورة الفاتحة، وهي سبع آيات، والبسملة هي الآية السابعة، وقد خصكم الله بها.
وقال قتادة: "ذكر لنا أنها فاتحة الكتاب، وأنها تثنى في كل ركعة، فرضًا كانت أم تطوعًا"، وهذا اختيار ابن جرير، مستدلاً بالأحاديث الواردة في ذلك. وأورد البخاري حديثين في هذا الصدد:
الأول عن أبي سعيد بن المعلى قال: "مرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، فدعاني فلم آته حتى صليت، فأتيته، فقال: 'ما منعك أن تأتيني؟' فقلت: كنت أصلي. فقال: 'ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]. ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟' فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج، فذكرت، فقال: '{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته'."
والثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم." وهذا النص واضح في أن الفاتحة هي السبع المثاني والقرآن العظيم، ولكنه لا يتعارض مع وصف غيرها من السبع الطوال بذلك، لما فيها من هذه الصفة، ولا يتعارض مع وصف القرآن بكماله بذلك، كما قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23]. فالقرآن مثاني من وجه، ومتشابه من وجه، وهو القرآن العظيم أيضاً. وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن المسجد الذي أُسس على التقوى، أشار إلى مسجده، والآية نزلت في مسجد قباء، فلا تناقض. فذكر الشيء لا ينفي ذكر ما عداه، إذا اشتركوا في نفس الصفة، والله أعلم.
![لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزوجا منهم Do-not-extend-your-eyes-toward-that-by-which-We-have-given-enjoyment-to-[some]-categories-of-them.](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgtZ3PvxON5TQjfkjQSxGYSRf7Ok6RVtcpH9iUC3MlLz_ZYJ3C882lWxliawKhtNnSY4cjGd-wmHSIlOGcXt6qJsgO5ShNQd1HnE38CK9VT4v6V8JDRmu6tcLD80Exu7csEm5EfRy7K8MzJxAtmRH1FmYa23Lx1udFYwZnD2v9Z0mQEhkNjasZ7ij10bqrL/w640-h335-rw/Do%20not%20extend%20your%20eyes%20toward%20that%20by%20which%20We%20have%20given%20enjoyment%20to%20%5Bsome%5D%20categories%20of%20them%20(1).webp)
تعليقات
إرسال تعليق