تدوين الحديث
الحديث النبوي الشريف، هو المصدر. الثاني من مصادر التشريع الإسلامي ، ويأتي في المرتبة الثانية من المراتب التشريعية بعد كتاب الله القرآن الكريم، وهو المعتبر بعده عند مذهب أهل السنة والجماعة، وهو علم واسع ، له رجاله منذ عهد النبي وحتى اليوم.
وللحديث كذلك طبقات ، وهو من العلوم التي دونت منذ عهد قديم ، وقيل في تدوين الحديث الكثير حتى أن علماء ومؤرخين من دول الغرب ، ومن ديانات أخرى ، قالوا في تدوين الحديث ، وطريقة تعامل علماء الحديث من المسلمين أقوال عزة وفخر.
وكيف وضع علماء الشريعة وأسسوا قواعد الاعتراف بصحة حديث أو ضعفه ، ومن يؤخذ منه الحديث ومن يرد من الرواة ، و من يصح حديثه ومن يضعف ، وكل تلك المقاييس الدقيقة والشديدة التي تطبق على الحديث ومتن الحديث ورواته وأسانيده.
و تلك المقاييس الشديدة التي وضعها علماء الحديث هي ما جعلت للحديث تلك الحجة الأن في العمل به حتى يومنا ، واعتباره مصدر تشريعي هام ، لذا فقد عنى أهل الشريعة وحكام المسلمين في العهود السابقة بالحديث عناية شديدة ، وبالحديث عن أحاديث النبي يثور تساؤل هام عن وصول الحديث لنا وكيف تم ، مع اعتبار أن الله سبحانه وتعالى، حفظه ، وهئ له الرجال الذين تعهدوا بالحفاظ ، و إجابة ذلك السؤال تتلخص في التدوين.
تدوين الحديث في حياة النبي
إن تدوين الحديث بدأ من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن التدوين منهج في ذالك الوقت، أما المعروف للعلماء بالتدوين اللاحق باعتباره اول من دون السنة النبوية ، هو الخليفة عمر بن عبد العزيز، و هو من أمر بجمعها وتدوينها ، ومعه غيره من العلماء في مرحلة وعهد جديد لتدوين الحديث و انتقال مختلف للمراحل التي مرت بها السنة النبوية.
ويمكن تقسيم المراحل التي مر بها الحديث النبوي الشريف في تدوينه إلى عدة مراحل و تعد المرحلة الأولى من التدوين هي المرحلة التي كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم، حي بين الصحابة ، يعلمهم دينهم ، ويفقههم في الأحكام.
وتميزت تلك المرحلة من مراحل تدوين الحديث بأنها لم تكن ممنهجة ، ولا تسير على خطة ، وكانت تتم بشكل يتسم بالفردية أكثر منه اعتبار للمنهجية ، أو للتنظيم، وبدايةذلك يرويه الصحابة لنا فيما أُثر عنهم رضوان الله عليهم.
لم يكتب الصحابة الحديث خلف النبي ، إلّا في شكل فردي ، كانوا يكتبونها في صحف خاصة بهم ، وكان من بين من يدون الأحاديث بهذا الشكل الفردي أنس بن مالك رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عبد الله بن عمرو ، وغيرهم.
بداية الأمر كان فيه نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن تكتب أحاديثه ، ولكن لماذا نهى النبي عن كتابة الحديث ، ويرجع هذا النهي لأسباب كان وقتها يتنزل الوحي من أمين الوحي في السماء على أمين وحي الأرض ، أي كان في الوقت الذي ينزل فيه جبريل عليه السلام حاملا القرآن ، لينقله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وخشي النبي في ذلك الوقت أن يختلط على عامة المسلمين ما هو وحي من السماء بلفظ من الله ، وكلامه وهو القرآن الكريم، وبين ما هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم، مع اعتبار أنه لا ينطق عن الهوى ، لكن اللفظ للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن بعد وقت أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه ، أن يكتبوا ويدونوا الأحاديث ، وارتفع النهي ، بعد مرحلة نضج معرفية مروا بها و أصبح تدوين ونقل الحديث في مأمن ، من أي خوف ، وثبت ذلك برواية قصها عبد الله بن عمرو ، حيث تتناقل الروايات أنه قد نهت قريش كما روى عبد الله بن عمرو عن أن يتعرض لحديث النبي بالتدوين ، وقالوا له أن النبي بشر فلا يجب أن يكتب كل ما يصدر عنه من حالات غضب ، ورضا.
ولما وصل أمر ما قالت قريش لعبد الله بن عمرو ، لما وصل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم أشار النبي إلى فمه و قال له أكتب ، وأقسم بالله وهو مشير إلى فمه أن ذلك الفم لا ينطق بالحق ، وهي إشارة إلى صدق ما يخرج من فم النبي صلى الله عليه وسلم، وإذن جديد بتدوين الحديث.
تدوين الحديث في عهد عمر بن عبد العزيز
على رأس المائة عام ، كانت مرحلة جديدة ، ويعد علماء الشريعة الإسلامية ، وبالأخص المحدثين ، هذه المرحلة ، والتي بدأت بحكم عمر بن عبد العزيز، هي المرحلة الأهم في حياة التدوين للحديث ، في تلك المرحلة تأكد للخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أن أسباب عدم تدوين الحديث في العهد النبوي قد انتهت.
خاف الخليفة عمر من توقف حلقات العلم بسبب موت العلماء و نهاية لحياة حفاظ الأحاديث ، مع بداية للأحاديث الموضوعة ، والمكذوبة ، أو الضعيفة ، لذا عهد عمر بن عبد العزيز إلى علماء ذاك الزمن وكان من بينهم الإمام الزهري ، وهو اول من دون الحديث تدوينا عاما ، وهو الذي قيل عنه الكثير في حفظ الحديث ، محمد بن شهاب الزهري ، الإمام العالم ، و عهد كذلك إلى الإمام أبو بكر بن حزم ، وطلب منهم تدوين الأحاديث النبوية.
جمع الحديث في عهد تابعي التابعين
وبعد أن بدأ الإمام الزهري أولى خطوات التدوين للأحاديث النبوية جاء دور تابعي التابعين ، وهي الطبقة التي شاع فيها تدوين الحديث ، و كتابته وجمعه من الحفاظ ، وقد تولى ذلك الإمام الأوزاعي ، والإمام الثوري ، و حماد ، والإمام مالك بن أنس، وابن اسحق ، وابن جريج ، والربيع ، وسعيد بن أبي عروبة.
وعمل كل منهم في نقل وتدوين الحديث وجمعه من الأمصار المختلفة في اللبلاد الإسلامية ، وذلك من الشام ، والبصرة ، والمدينة ، ومكة ، وكان الواحد منهم يسافر مسافة شهور ليسمع حديث ، و يتأكد من صحته ويدونه.
الحديث في القرن الثالث الهجري
يعد هذا الزمن في عهود الحديث ، وحفظه ، وتنقيحه ، هي المرحلة الأعظم في تاريخ الحديث ، وهي أكثر مراحل الحديث زهاءًا ، وذلك ليس إلا برجالها ، هذه كانت مرحلة المسانيد ، والمسانيد هي عملية تقسيم للأحاديث بحسب الراوي ، مثل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهم من الصحابة ، وكان من بين تلك المسانيد مسند الإمام أحمد ، وهو الإمام أحمد بن حنبل صاحب أحد المذاهب الإسلامية الأربعة ، وهو المذهب الحنبلي، و جاء الإمام البخاري ، ليضع قواعد ويقسم الأحاديث ويضع الصحيح منها في أبواب ، وللإمام البخاري في هذا الباب فضل عظيم ، لا ينكر ، ومن بعده ابن خبان ، ابن خزيمة ، و اصطلحت التصنيفات والتقسيمات الذي وضعوها ، وجرى عليها المحدثين و يتعلم منها المسلمين حتى الأٓن.