![]() |
| سبب نزول الذين جعلوا القرآن عضين |
{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: 89-93]
سبب نزول الآية عن الذين جعلوا القرآن عضين:
عن ابن عباس رضي الله عنه، أن الوليد بن المغيرة اجتمع مع جماعة من أشراف قريش، وكان ذا مكانة فيهم، وقد حضر موسم الحج. فقال لهم: يا معشر قريش، هذا موسم الحج قد أتى، ووفود العرب ستقدم إليكم، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا على رأي واحد ولا تختلفوا، لئلا يكذب بعضكم بعضاً، أو يبطل قول بعضكم بعضاً. فقالوا: وأنت يا أبا عبد شمس، قل لنا رأياً نتبعه. قال: بل أنتم قولوا أولاً لأسمع. قالوا: نقول كاهن. قال: ليس بكاهن. قالوا: نقول مجنون. قال: ليس بمجنون. قالوا: نقول شاعر. قال: ليس بشاعر. قالوا: نقول ساحر. قال: ليس بساحر. قالوا: فماذا تقول أنت؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، ولكنكم لن تقولوا شيئاً إلا ظهر بطلانه. وأقرب ما يكون أن تقولوا: هو ساحر. فتفرقوا على هذا الرأي. فأنزل الله فيهم: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}.
من هم المقتسمون؟
المقتسمون هم المتحالفون الذين عاهدوا على معارضة الأنبياء، وتكذيبهم، وإيذائهم. كما في قوله تعالى عن قوم صالح: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنقتلهم ليلاً. وقال مجاهد: تقاسموا وتحالفوا. {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}، {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ}. وكأنهم لم يكذبوا بشيء من الدنيا إلا أقسموا عليه، فسموا مقتسمين.
قال عبد الرحمن بن زيد: المقتسمون هم أصحاب صالح الذين تحالفوا على قتله. وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به، كرجل أتى قومه فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاة النجاة. فأطاعه طائفة من قومه، فساروا ليلاً في هدوء فنجوا. وكذبه آخرون، فأصبحوا في ديارهم فباغتهم الجيش فأهلكهم. فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به من الحق».
تفسير الآيات:
{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ}: يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الناس بأنه النذير الواضح التحذير، الذي ينذرهم من عذاب أليم، كما حل بمن سبقهم من الأمم المكذبة لرسلهم، وما أُنزِلَ عليهم من العذاب والانتقام. وقوله: {الْمُقْتَسِمِينَ} يعني المتحالفين، الذين تحالفوا على معارضة الأنبياء وتكذيبهم وإيذائهم.
وقوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}: أي جزّأوا كتبهم المنزلة عليهم، فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها. قال البخاري عن ابن عباس: {جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} قال: هم أهل الكتاب، جزّأوه، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. وروي عن مجاهد والحسن والضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير ما يقارب ذلك.
وقال عكرمة: العضه، هي السحر بلسان قريش، فيقولون للساحرة: إنها العاضهة. وقال مجاهد: عضّوه أعضاء، فقالوا: سحر، وقالوا: كهانة، وقالوا: أساطير الأولين. وقال عطاء: قال بعضهم: ساحر، وقالوا: مجنون، وقالوا: كاهن، فذلك العضين. {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: هؤلاء هم الذين قالوا لرسول الله ذلك. وقال ابن عمر في قوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال: عن لا إله إلا الله. عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} قال: «عن لا إله إلا الله» [رواه الترمذي].
وقال ابن مسعود: والذي لا إله غيره، ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: «ابن آدم، ماذا غرك مني بي؟ ابن آدم، ماذا عملت فيما علمت؟ ابن آدم، ماذا أجبت المرسلين؟». وقال أبو جعفر، عن أبي العالية في قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال: يسأل العباد كلهم عن خصلتين يوم القيامة: عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا المرسلين. وقال ابن عيينة: عن عملك وعن مالك. وقال ابن أبي حاتم.
عن معاذ بن جبل قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ، إن المرء يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه، حتى كحل عينيه، وعن فتات الطينة بأصبعه، فلا ألفينك يوم القيامة وأحد غيرك أسعد بما آتاك الله منك». وقال ابن عباس في قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ثم قال: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} قال: لا يسألهم هل عملتم كذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقال لهم لم عملتم كذا وكذا؟.
.webp)
تعليقات
إرسال تعليق