![]() |
| ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخوانا |
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [سورة الحجر: 45-50]
تتناول الآيات الكريمة من سورة الحجر وصفًا لحال المتقين في الجنة، حيث أعد الله لهم جنات مليئة بالعيون النابضة، وأمرهم بدخولها بسلام وأمان بعيدا عن أي خوف أو قلق. تحتوي الآيات على دلالات قوية حول مكانة المتقين في الجنة وكيفية استقرارهم فيها، حيث لا تعب ولا مشقة تُصيبهم، وهي دار خالدة لا يُخرجون منها.
تفسير ” ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخوانا “
في تفسير قوله: "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين"، يوضح المفسرون المعنى المرتبط بالتطهير القلبي بين المؤمنين في الجنة. فقد ذكر ابن كثير أنه ورد في تفسير هذه الآية أنها نزلت بسبب ما كان بين بني تميم وبني عدي وبني هاشم من العداوات في الجاهلية، ولكن بعد الإسلام تحولت تلك العداوات إلى محبة ومودة. ورويت عدة مواقف عن الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم تشير إلى تطبيق هذه الآية عليهم، حيث يصفها علي بأنها تتحدث عنه وعن طلحة والزبير وغيرهم من الصحابة الذين تصالحوا بعد الخلافات وأصبحوا إخوانًا في الدين.
أما فيما يتعلق بآية "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم"، فقد ورد سبب نزولها في الحديث الشريف عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ولاحظ حالة من الحزن بين أصحابه بسبب خشيتهم من الله، فجاءه جبريل ليبلغه رسالة الرحمة والمغفرة التي يوجهها الله لعباده، مع التحذير من شدة عذابه. تُظهر الآية توازنًا بين الرجاء والخوف، دافعةً المسلمين لاعتقادهم برحمة الله مع خوفهم من عقابه.
تفسير الآيات يوضح معاني متعددة تتعلق بالجنة التي أعدت للمتقين. فهي مقر يسوده السلام، حيث يخلو من التعب والمشقة، مع إزالة كل ما يحمل الضغينة أو العداوة بين المؤمنين. يتميزون بالإخاء التام وهم يجلسون على سرر مواجهة لبعضهم، في جو من الراحة والأمان النفسي والجسدي. وتُبرز الآيات أيضًا مدى رحمة الله وغفرانه لمن أطاعه، بجانب تنبيه إلى حقيقة وجود العذاب الأليم للعصاة، مما يدفع المسلم دومًا نحو الاستقامة والتوازن بين رجائه في الرحمة وخوفه من العقاب.
سبب نزول الآية {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}:
روى ابن جرير عن ابن أبي رباح عن رجل من أصحاب النبي صل اللّه عليه وسلم قال: طلع علينا رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة فقال: «« لا أراكم تضحكون؟ »» ثم أدبر، حتى إذا كان عند الحجر رجع علينا القهقرى فقال: «« إني لما خرجت جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن اللّه يقول: لم تقنط عبادي؟ { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} »» وقال قتادة: بلغنا أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال: «« لو يعلم العبد قدر عفو اللّه لما تورع من حرام، ولو يعلم العبد قدر عذاب اللّه لبخع نفسه »».

تعليقات
إرسال تعليق